الحمد لله العلي القادر القوي القاهر الرحيم الغافر الكريم الساتر ذي السلطان الظاهر، والبرهان الباهر، خلق فأحسن، وصنع فأتقن، وقدر فغفر، وأبصر فستر، عم فضله، وإحسانه، وتم حجته، وبرهانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في أُلوهيته وربوبيته ، وفي أسمائه وصفاته ، جل عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بشيرا، ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فأوضح الدلالة، وأزاح الجهالة، وفل السفه، وثل الشبه ،صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وأصحابه المصطفين الأخيار أما بعد فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي السراج والنجاة والسعادة والفلاح ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ).
أيها الناس : إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ( )، وشرع للناس دينا كاملا أتمه ورضيه وأنزل كتابا ليحكم بين الناس به فلا حكم للبشر إلا بشريعة خالقهم (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) ( )،(أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ( )،( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) ( )، وحذرّ عز وجل أن من لم يحكم بما أنزل الله وبسنة محمد صلى الله عليه وسلم غير مؤمن فقال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) ( )، وقال عز وجل: ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ( ).
أيها الناس : إذا تقرر أن الحكم لله ولشريعته فلاحكم بين الناس أعدل وأفضل وأكمل من الإسلام ، فهو أكمل الشرائع وأتمها ، دين رباني المصدر والوجهة ، فهو من الله يقود الناس إلى الله ويذهب بهم إلى الله وجنته .يُقال هذا الكلام ونحن نسمع الناس هذه الأيام يرددون الديمقراطية والحرية والانتخاب والتصويت نتيجة ما حل بالدول حولنا من آثار الخريف العربي حتى ظن البعض أن الرحمة في الديمقراطية وأن الكمال فيها والنقص في الإسلام ، وهذا جهلٌ في معرفة الإسلام وأحكامه ورحمته بالإنسان والحيوان ، وجهل بمعرفة كماله وتمامه ، فتطبيق الإسلام عند البعض مخالفٌ للإسلام فكيف يكون هو الإسلام ؟،وكيف نعتقد أن أخطاء البشر في تطبيق الإسلام هي الإسلام وأحكامه؟، بل إن الغريب أن البعض أصبح يردد ديمقراطية وهو لا يعرفها ولا يعقلها ، و لا يدري ما هي ؟ ولا إلى أين ستقوده وتقود أمته ومجتمعه ،فأصبح ينعق بما لا يعلم ، ويقول ما يُضاد دين الله وشريعته ، ولا يعلم أن الديمقراطية كفرٌ بل هي الكفر بعينه لأن الديمقراطية :كلمة يونانية ( ) في أصلها, ومعناها: هي سلطة الشعب, والمقصود بها بزعمهم: حكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق اختيار الشعب لحكامه, وهي الكذبة التي كان يرددها النظام الشيوعي. وعند الإغريق "حكومة المدينة" ( ).ومعلوم أن الشريعة جاءت بأن الحاكم إما أن ينتخبه أهل الحل والعقد من العلماء الشرعيين أو يُعهد له ممن قبله كتولية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، أو أن يغلب حاكم حاكما فيستولي على الحكم بالسيف فيُسمع له ويُطاع ،وأما انتخاب العامة لحكامهم ، فلم يرد في الشريعة إنما يتابعون علمائهم الشرعيين فيما يختارون ويولون ويبايعون فهم لهم تبع .
أيها المؤمنون : إن من اليقين الذي لا مرية فيه ولا جدال أن الديمقراطية مذهب بشري, وأن تعاليمها وضعية كفرية مخالفة للإسلام, ومع ذلك فقد وجد فيها أهل أوربا عزاءً ما لما حلَّ بهم على أيدي رجال دينهم الوضعي كذلك, ومع ذلك فإن هذا العزاء لم يكن على ما يريدونه -كما بالنسبة لأهل أوربا ، بل وجدوا الدمار والضياع من الديمقراطية, ولكن هل المسلمون في حاجة إلى تلك التعاليم؟ وهل بهم كذلك حاجة إلى أن يرددوا مثل هذه الكلمات الجوفاء, ومنها كلمة -الديمقراطية- وغيرها من الألفاظ التي غزت مفاهيم المسلمين وتأثروا بها, وردَّدوها عن نية حسنة في بعضهم, وعن نية باطلة في آخرين, حتَّى أصبحت كأنها لفظة شرعية وتسمية محبَّبَة لكثرة ورودها على الألسنة من غير المسلمين ومن بعض المسلمين ( ) ، فإذا كانوا يدعون للديمقراطية لأجل؛ مصلحة البشر والمساواة والعدل ،ففي الإسلام: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } ( ) ، وقال -صلى الله عليه سلم: " يا أيها الناس: إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب " ( )، وإن كانوا يريدون للفقراء غنى وكسبا وعيشا كريما ،فالإسلام تكفل بالفقراء وأمر بإعطائهم الصدقة والزكاة، ولكن الديمقراطية جعلت إغناء الفقراء عن طريق دفع المال مؤقتا لهم ليصوتوا وينتخبوا صاحب المال ثم بعد توليه الحكم ينساهم ويجعلهم جياعا مشتتين وهذه هي الديمقراطية الكفرية .
عباد الله : هذا هو ديننا وشريعتنا التي أكملها الله فلا خير في غيرها ولا فضل في سواها ، بل إن الأمن والراحة والسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة في تحكيم شريعة الله ولايغني عنها غيرها فهي الكاملة التامة المرضية ( )،(أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ( ) .
كتبه / سعد بن عبدالله السبر
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله . 20/3/1434